الأمن النفسي في الإسلام يستمد معناه ومضمونه من أساسيات الديـــــــن فالأيمان بالله واليوم الأخر والحساب والقضاء والقدر والنظر إلى الدنيا على إنها زائلة كل هذه الثوابت التي يؤمن بها الإنسان المسلم تؤدي إلى أمنـــه النفسي وصقله بالاتزان والطمأنيــنة وتحرره من الاضـطراب والقلق وتقـود إلى راحة البال فلا يرتاب ولايشك فيه مصداقًا لقوله تــعالى (وما جعلــه الله ألا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم) (آل عمران26).
إن الأيمـان له دور في شـعور الفرد بالأمن، فالأيـــمان حتى يبلغ مـــداه ويشـــرق على القلب سناه، ويســري في أعماق النفــس مجراه فتـبدو آثاره المباركة على الفرد والجماعة، فالأيمان بالله يعد أعظـم أسباب الأمن النفسي .
عكس ذلك الذين جحدوا الله فتراهم في خوف واضطراب، وقلق وكآبة وفزع، كما أن الإيمان ينمي الشعور بالانتماء للجماعة إذ حث القرآن الكريـم على مــد يـــــد العــون والمـساعدة وبالتـالي العيـــش في أمـان لقـولـــه تـــــعالى (إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقـــــوا الله لعلكـم ترحـــمون) (الحجرات10).
ويصف الرسول صلى الله عليه وآله وســلم وصفًا جميلًا فيه من المعاني السـاميـة، والمنـطلقات التربويـــة العظيـمة، التي لــو تأسى بـها كل فـرد في حياتـه لشـعر بنعمة من نعم الله التي لا تحصى التي تجعل الفرد يشعر بالقوة والسعادة، والآمان، والأخوة، وهذا الوصف تضمنــــه الحديــث الشريــــف (مثـل المؤمنين في توادهـم، وتراحمـهم، وتعاطفهم كمـثل الجسـد الــذي إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
إن ارتباط الأمن النفسي بمجموعة سمات تكون أساسًا لمقوماته وبدونها يبقى الفـرد يشعر بحالة قلقة، والسمات منها، التوكل علـى الله والصبر عند الملمات إذ يقــول الأمام علــي بن أبى طالـب (رض) (أن تجزع تؤزر وأن تصبر تؤجر)، فضلًا عن ذلك فالصبر يعد رافدا ًمن روافد الأمن النفسي لدى المؤمن فهو حبس النفس عن الجزع، والسخط، والشكوى وتحمل الانتظار ومواجهة مصاعب الحياة دون ملل، وتذكير الفرد بأن كل ما يناله في حياته من شقاء وِنــعم هـو من الله عز وجل، فيشعر بالأمـن ويشكر الله على نعمه ويصبر على البلاء، والمصيبة، فالصبر إذا ما اقـترن بالصلاة يجعل الفرد مطمئنًا إذ يقول الله سبحانه وتعالـى (استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مــع الصابرين). (البقرة 153)
وكان رسـول الله صلى عليه وآله وسلم، إذ حزنـه أمـر فزع إلى الصـلاة. كيف لا وللصلاة تأثير عجيـب في دفـع شرور الدنـيا والآخـرة وسـر ذلك أن الصلاة صلة بين العـبد وربه، ومعراج إلى المولى عـز وجـل وعلى قدر هذه الصلة يفتح علـيه من الخـيرات أبوابـها، ويقطع عنــه من الشـرور أسبابها ويفيض عليـه فيرى التوفـيق، والعافـية وينشرح القلب ويندفع الكرب بحول الله وقوته وتأييده ورحمته..
فالصلاة تنهي عن الفحشـاء، والمنكر، والمؤمن المصلي صـادق في قولـه وأفعاله، فالصدق من القيم التي تساعد في تعزيز الأمن النفسي، ويقول الله تعالى (رجال صدقوا ما عاهدوا الله) .
ويبدو التأثير النفسي للصدق في الحديث النبوي الشريف (الصدق طمأنينة والكذب ريبة) فالكذب يؤدي بالفرد إلى الخوف، والتوتر لأنه لا يكذب إلى إذا كان خائفًا ، أما الصادق فلا يوجد ما يحمله على الكذب لتيقنه أنه لن يصيبه إلا ما كتـب الله له. ويتضـمن الصدق قيمًا أخرى، كالشجاعة، والجرأة، والإخلاص والصـبر يـؤدي بالمؤمن إلـى راحـة النفس، والتــحرر من الخوف، ومجابهة الأمور، وعدم الهرب منها، فالصادق مع نفسه، ومع ربه، ومع الآخريــــــن لا يشعر بالتوتر والقلق بل يحيا حياة آمنة مطمئنة، إذ يقـول الرسـول صــلى الله عليه وآله وسلم (الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة).
ومن السـمات الأخـرى المطـلوبـة لتحقيـق الأمـن النفـسي، هـي: الرضـــــــا والقناعة، والأمل، فهذه جميعها يمكنها بث الأمان لـدى من يتحلى بها فكـرا ًوسلوكا ً، فالرضا والقناعة تشعر المـؤمن بأنه قريب مـــن الله وفي رعايته فيطمئن إلى قدرة الله تعالى ويعقل قوله عز وجل: (في بضع سنين لله الأمر من قبل وبعد ويومئذِ يفرح المؤمنون) (الروم4).
فحيثما يعتـقد المؤمـن بأن الله هـو مدبـر الكون، وأمـره نافـذ في خلقه تـهدأ نفسه، ويشعر بالأمـن النفسي، والاطمئنان، فالنفـس المطمئنة، هـي النفس المؤمنة، والتـي يكـون سلوكها و نهجها على ضوء القرآن الكريم فترقـى في ظله رقيا شاملا ًيتمثل في تقوى الله لقوله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ً ويرزقه من حيث لا يحتسب)(الطلاق 2-3).
ومن القـيم التي ترفد الأمن النفسي لدى الفرد حسن الظن بالله، والتفاؤل وإذا ما اعتمد القلب على الله وتوكل عليه، ولم يستسلم للأوهام ولا يتملكه الخيال السيئ ووثق بالله وطمع في فضله اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم وزالت عنه كثير من الإسقام، وحصل للقلب من القوة، والانشراح والسرور والغبطة.
إن شـعور الفـرد بالرضـا من أول أسبـاب الســكينة النفسـية التــي هي سر السعادة، والمؤمن هو الذي يحس تلك الحالة النفسية، فالرضا نعمة روحية مبعثها الأيمان بالله رب العالمين وحسن الظن به.
أما الجانب السلبي الذي يؤدي بالفرد إلى الاضطراب، والشعور بعدم الأمن فهو الصراع بين النفس اللوامة التي لها أثر في زجر الآخريــــن عن الشر و أعادتهم إلى الخير، والنفــس الأمارة بالسوء التــي تحـث صاحبها على عمل الشر فيتأثر بذلك اطمئنان النفس، ويحيل النفــس المطمئنة إلى نفــــس مضطربة. والصراع بين الخير والشر عند الإنسان دائم، ومستمر فالنفـس إذا كانت ضعيفة أمام الشهوات، وحظها قليل من التوكل، والصبر، والإيمان انتصر الشر على الخير مما يقودها إلى الاضطراب والشعور بعدم الأمن.
والجانب السلبي الأخر المتمثل بالشـعور بعدم الأمن هو تكبر الفرد فالـذي يتكبر ويتجبر فقد ظلم نفسه حيث اعتقد أنه عالم وغيره جاهل بل هو في الواقع هو أجهل الجاهلين لأن التكبر أول صفة ذميمة إلى إبليس حينما طلب منه سبحانه وتعالـــى أن يسجد فرفض، والتكبر عن ذكر الله تجعل صاحبها يعيش حياة مليئة بالهموم والأحزان و يقول سبحانه وتعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى). (طه124)
ومما تقدم يمكن تلخيص المفهوم الإسلامي للأمن النفسي بأنه يتضمن الأيمان بالله وبالرضا والاستقرار والتفاؤل والأمل وتقبل الذات والتحرر من المخاوف وحب الآخرين.
أما الجانـب السلبي الـذي يــهدد الأمـن النفسي للفرد، فهو الجزع والتكبر وتفضـيل الشـهوات عـن الطاعـات، والنزوع إلـى الشر، والابتعاد عـن عـمل الخير.
لذا يلاحظ أن المؤشر الإيجابي للسلامة النفسية يرتكز على قوة الإيمان للفرد ويلاحـظ أيضا ً أن التدين عامـل مهم في الوقايـة من الاضطرابـات النفسية وخير تأكيد لما تقدم قوله سبحانه وتعالى (آلا بذكر الله تطمئن القلوب).
الكاتب: د. عبد الحسين رزوقي مجيد الجبوري
المصدر: موقع حياتنا النفسية